حمل التفاحة الصغيرة (فتفت) لوحته الجميلة التي رسمها له والده، و سار نحو مدرسته بفخر, كان سعيدا جدا بتلك اللوحة، و راح يتخيل سعادة المعلمة الأنسة جزرة بتلك اللوحة و مسارعتها إلى تعليقها في مكان بارز جدا في الصف, بينما تثني عليه و تشكره و تبتسم ابتسامة عريضة......
في باحة المدرسة اجتمع التلاميذ حول لوحة (فتفت) و صاح (طم طم) بإعجاب:
- يااااااااه.. ما أجملها.. أنت رسام بارع يا (فتفت).. لم تخبرنا أنك تجيد الرسم هكذا.
ابتسم (فتفت) و شعر بفخر و سرور كبير و أعجبه أن يقال عنه: إنه رسام بارع، و قرر أن يبقى صامتا و أن لا يخبر أحدا بأن والده هو من رسم اللوحة و حدث نفسه قائلا:
- كذبة صغيرة لن تضر. لا فرق بين أفراد الأسرة الواحدة.
في غرفة الصف فرحت الآنسة جزرة بتلك اللوحة، و علقتها فوق السبورة في مكان بارز, و قالت لـ (فتفت) و هي تنظر إلى اللوحة المعلقة:
- يا لك من رسام يا صغيري. أنت اليوم رسام الصف. لا بل رسام المدرسة كلها.
فرح (فتفت) و ازداد شعوره بالفخر، و شعر بأن عيون التلاميذ تلاحقه و تغبط موهبته, و قال لضميره الذي راح يؤنبه:
- أنا لم أسبب الأذى لأحد. و لن تتسبب كذبتي الصغيرة بالضرر لأي أحد, و ما المشكلة لو قالوا عني رسام ماهر.
قبل بداية الحصة الثانية، دخلت المعلمة جزرة مع مديرة المدرسة السيدة إجاصة التي وقفت طويلا تتأمل تلك اللوحة، و نظرت من خلال نظارتها السميكة إلى (فتفت) و قالت:
- أنت إذا الرسام العظيم؟
احمر وجه (فتفت) و غاص في مقعده و قائلا:
- نعم أنا هو.
- جيد. كنت قد اتفقت مع رسام البارحة ليرسم لنا لوحة على جدار المدرسة, و قد قررت الآن أن أعتذر من الرسام؛ لأنني وجدت الرسام الرائع الذي سيرسم لنا لوحة مثل هذه اللوحة تماما على جدار المدرسة.
امتقع وجه (فتفت) و بدأ العرق يتصبب من جبينه، و نسي كل كلمات المديح و الثناء و كل مشاعر الفخر و الاعتزاز, و بدأ يشعر بالبرودة تسري في أطراف أصابعه و هو يتخيل التلاميذ و هم يحيطون به و يضحكون عليه و ينعتوه بالكذاب.
قالت المديرة:
- هيا يا عزيزي الألوان و الفرش جاهزة، و هناك من سيساعدك أيضا و هم ينتظرونك في الباحة.
اقترب (فتفت) من المديرة قائلا:
- هل تسمحين لي بكلمة يا أنسة
- نعم تفضل يا عزيزي.
- أريد أن أتكلم معك وحدنا
- هل تعاني من شيء يا صغيري؟
- لا و لكنه أمر يخصني فقط.
خرجت المديرة يتبعها (فتفت) و توقفت في الردهة قرب باب الصف قائلة:
- ما بك يا (فتفت)
- أنسة لقد كذبت. لست أنا من رسم اللوحة إنه والدي.
ذهلت المديرة و لم تتكلم بحرف واحد فقط، أشارت بيدها لـ(فتفت) ليدخل الصف و انصرفت و هي تهز رأسها بينما دخل (فتفت) الصف بظهر منحن و دمعة كسيرة و بعزم أكيد على عدم الكذب مرة أخرى طوال حياته.
رابط القصة في موقع لها اون لاين : http://www.lahaonline.com/articles/view/40140.htm
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق