مَـرْحـبًـــآ بِــك فِـــي مُـدَونَـــة الْـجِـــيـــلْ الْــقَــــآدِمْ

الجمعة، 20 مارس 2015

التحدي الكبير


التحدي الكبير
جلست نرمين بجانب صديقتها نرجس، وبدأت تحدثها عن فكرة خطرت ببالها قائلة: خطرت ببالي فكرة أظن أنها ستعجبك، نرجس: وما هي يا صديقتي؟
نرمين: ما رأيك في الاتفاق مع إحدى المعلمات على إقامة معرض مدرسي كبير، نُشرِف عليه، وتُعرض فيه أعمال الطالبات ونحدد يومًا لافتتاحه، بحيث يحضره جميع أولياء أمورنا؟
تفاجأت نرمين عند انتهائها من طرح فكرتها بسماعها صوت ضحك صديقتها نرجس، التي قالت لها ساخرة: من يسمعك يظن أنه لا توجد لديك أي مشاغل تقضين بها وقتك، ففكرتك هذه تستنزف الوقت والجهد، وعن رأيي فإني لا أريد تنفيذها أبدًا.
حزنت نرمين كثيرًا حين سمعت هذا الرد المحبط من صديقتها المقربة، وهي التي ظنت أنها أول من سيساعدها في تنفيذ الفكرة وبدت عليها علامات الدهشة والحيرة ممزوجة بالحزن الشديد.
نرمين طالبة في الصف الأول الإعدادي، تحب الخير، مجتهدة ومثابرة، لديها أفكار بناءة، تطمح من خلالها لجعل مدرستها أفضل المدارس، وإن كانت أفكارها في نظر من هم حولها غريبة وخيالية، وقد كانوا دائمي السخرية منها.
***
عادت نرمين في ذلك اليوم إلى منزلها، مكسورة الخاطر وذهبت مباشرة إلى فراشها دون تناول طعام الغذاء.
بعد قليل.. وجدت نرمين نفسها في الفصل، وقد بدأت حصة التعبير حيث طرحت عليهن المعلمة السؤال التالي: من منكن لديها فكرة تود طرحها للنقاش.
وما أن انتهت المعلمة من طرح سؤالها، حتى وجدت نرمين رافعة يدها قائلة: أنا يا معلمتي.
المعلمة: تفضلي يا نرمين.
نرمين: هناك أفكار كثيرة لدي، أريد أن تكون مدرستنا أفضل المدارس، وهذا الموضوع يشغلني كثيرًا؛ كيف لي أن أساهم في تطوير المدرسة؟
المعلمة: فكرة جيدة يا نرمين، ولكني أرى أن هذا الموضوع يمكن تأجيله لوقت آخر، لاسيما وأن مدرستنا تعتبر من المدارس الجيدة!
نرمين: ولكن توجد الكثير من الأفكار التي تنقص المدرسة وهذا ما أعنيه.
المعلمة: هناك أفكار مكلفة، ويصعب تنفيذها، كما أننا لم نعتدها ومن الصعب التأقلم معها، أظن أن هذا ليس مهماً، المهم أن تمارس المدرسة عملها وحسب.
جلست نرمين في مقعدها حزينة، تقول لنفسها ما من أحد يا نرمين يريد مساندتك في تحقيق حلمك؛ لا من صديقاتك، ولا من معلماتك .
في هذه اللحظة سمعت نرمين صوت أمها تناديها: نرمين، نرمين، استيقظي هيا، عليك تناول غذائك، ومن ثم فإن لديك الكثير من الواجبات وعليك أداؤها.
استيقظت نرمين، ووجدت أن كل ما حدث معها كان مجرد حلم بسبب تفكيرها في هذا الموضوع؛ فجلست وهي تقول لنفسها: يجب أن أحقق حلمي، يجب أن أحقق هدفي، ولكن كيف؟ كيف؟
***
بدأت نرمين تكبر، وبدأ حلمها يكبر معها شيئًا فشيئًا، وكلما كبرت عامًا، ازدادت إصرارًا ورغبةً في تحقيق هذا الحلم، حتى أنهت نرمين دراستها الجامعية، وبدأت تعمل كمعلمة لطالبات المرحلة الإعدادية في مدرستها التي درست بها عندما كانت في المرحلة نفسها.
قالت نرمين وهي تحدث نفسها: الآن جاء الوقت المناسب لتحقيق حلمي، ولكن من أحدث أولاً؟، المديرة، علي أن أتحدث مع المديرة، فإن أقنعتها تم نصف العمل.
ذهبت نرمين إلى مديرة المدرسة، وبدأت تعرض عليها مجموعة من الأفكار تجعل من المدرسة منارة لنشر العلم في البلدة، وتجعل فائدتها أعم وأشمل، ولكن يا خسارة، لقد خيب رد المديرة كل آمال نرمين، فقد ردت على اقتراحها بالرفض وأبدت عدم رغبتها في الدخول في مثل هذه المواضيع التي وصفتها بالمكلفة والمجهدة والتي تشغل الطالبات عن مذاكرتهن،  وغاب عن فكرها أنها تعين الطالبات على ترسيخ المعلومات وربط المجتمع بالمدرسة.
***
خرجت نرمين من عند المديرة خائبة الأمل، حزينة وذهبت إلى غرفة المعلمات حيث جلست على كرسيها وأخذت تفكر.. لاحظت إحدى المعلمات نرمين وهي جالسة محتارة، وكأن هناك أمرًا مهمًّا يشغل تفكيرها؛ فبادرتها تلك المعلمة قائلة: ماذا هناك يا نرمين؟ ما الذي يجعلك شاردة الذهن هكذا؟ يبدو أن هناك شيئًا قد حصل معك ولم تخبرينا به.
ردت عليها نرمين: في الحقيقة أصبتِ! إن هناك ما يشغل بالي فعلاً.. وبدأت نرمين تحكي لهن عن أفكارها ورغبتها في تطوير وضع المدرسة منذ صغرها، وعن صد الجميع لها وعدم رغبتهم في مساعدتها.
حينها قالت إحدى المعلمات: منذ زمن وأنا أعاني مما تعانين منه، إن المدارس في مجتمعاتنا العربية وللأسف لم تعد كما كانت منذ زمن، نقص الحماس لدى المعلمات، و لم تعد تطبق أسس التعليم والتربية كما يجب؛ فهناك الكثير من الأفكار من الممكن عملها لجعل التعليم أكثر فائدة ومتعة للطلاب، خاصة وأن التكنولوجيا المتطورة تتيح لنا الاطلاع والاستفادة أكثر من ذي قبل.
أحست نرمين بالفرح الشديد حين سماعها لرأي هذه المعلمة وقالت: أحسنتِ.. ما رأيك في أن نبدأ نحن في تطوير مدرستنا على الأقل؟
-  وكيف ذلك؟
-  يمكننا أن نشترك مع مجموعة من المعلمات ممن قد يقتنعن بفكرتنا، ونبدأ بتنفيذ الأفكار مع الطالبات الراغبات في ذلك كما يمكن الاستفادة من تجارب وخبرات وحماس بعض الأمهات أيضاً.
-  فكرة رائعة يا نرمين.
وبدأت نرمين تخطط وتعمل مع تلك المعلمة، وانضمّت إليهن مجموعة لا بأس بها من المعلمات والطالبات، وبدأ صيت المدرسة يزداد، وسُعد أولياء الأمور بتلك الأفكار، وشاركوا بدورهم في تنفيذها حتى ارتقت المدرسة، وأصبحت من أروع وأفضل المدارس تدريسًا وتدريبًا، وازداد الأمر فائدة بتطبيق بعض الأفكار لتنمية وتوعية المجتمع.
***
وفي أحد الأيام قرر محافظ المدينة تكريم صاحبة فكرة التطوير والقائمة عليه، فأقام حفلاً كبيرًا وقدم جائزة لنرمين شاكرًا لها صنيعها، حينها طلبت نرمين أن تقول كلمة للحضور وأخذت لاقط الصوت وقالت: أولاً أشكر جميع القائمين على هذا الحفل لمجهوداتهم ودعمهم لعملنا، وفي الحقيقة لست وحدي التي تستحق الجائزة، بل كل اللواتي شاركن معي في العمل؛ لأن القول بدون عمل لا يفيد شيئًا. أشكر كل من وقفت معي في موقف تخلى فيه الكثير عني، وأقول لكم جميعًا: إن المدرسة منارة العلم، فإن لم ننهض بها ونطورها لن يخرج منها أناس يبنون المجتمع ويقيمونه، علينا أن نتعاون جميعًا من أجل النهوض بمجتمعنا، فبالعمل والتعاون تتقدم الأمم.. أرجو من كل من يسمعني أن يقوم بدوره، وأن لا يجعل جهدنا في تطوير هذه المدرسة يقف عند هذا الحد، علينا العمل لتطوير جميع المدارس، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
بعد انتهاء نرمين من إلقاء كلمتها علت أصوات تصفيق الجمهور لها، وجلست نرمين تقول لنفسها: فعلاً، من جد وجد، ومن سار على الدرب وصل.

..
بقلم / تقوى عادل محمد الحضيري 
المصدر / لها اون لاين موقع المرأة العربية  
http://www.lahaonline.com/articles/view/47570.htm 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق